فالنشاط الأدبي العربي هو جزء من النشاط الحيوي العام الذي يخضع للمبدأ الكلي المطلق في التصور الإسلامي وهو الحركة حول محور ثابت، فالتراث الأدبي في جملته يحوي عناصر حركية مستمرة -ديناميكية- ولكنها تنطلق في حركتها من أصول ثابتة وتلتزم بمعايير ثابتة، وهكذا يتجلى المنهج الفريد الجامع بين الاستقرار والمرونة، لا التصور الجدلي الأدبي العقيم. إن من دلالات الإبداع والعبقرية أن يأتي الأديب بتلك النماذج الفائقة التي لا يستطيع سائر الناس الإتيان بمثلها مع التزامه بنفس المعايير أو الأساليب التي يعرفون! يظهر هذا المنهج الفذ في الشعر العربي الذي توهم كثير من الداخلين في جحر الضب أن معاييره تضيق عن الإبداع وتستلزم الجمود!! كلا، إن الإبداع تسابق وما من سباق إلا وله مسارات وحواجز وضوابط، وإلا كان كل ماشٍ في الشارع متسابقاً، ولنأخذ مثالاً: الالتزام بالبحور الشعرية المعروفة، أيّ ضيق أو جمود فيها؟ إنها سعة لا نظير لها مطلقاً في شعر أي أمة من الأمم، مع الالتزام في الوقت نفسه بمعايير جمالية لا نظير لها كذلك، فالعروض العربي يتألف من ستة عشر بحراً، والبحر الواحد -غالباً- يكون منه التام والمجزوء والمشطور، وهذا ما يمكن تصنيفه -حسب المعايير الأوروبية- بحوراً جديدة، هذا غير ما يلحق التفعيلة نفسها من تغييرات معروفة لأهل الفن ولا يستفيد غيرهم من ذكرها هنا، إنها سعة تسمح للموهبة أن تبدع كما تشاء فيما تشاء مع ضبط لا يسمح بتسرب الطفيليات وولوج من لا يملك المفتاح.